Abstract:
أ
يُعدُّ الإنسان كائنا اجتماعيا له القدرة على التكيف والتآلف والإبداع مع محيطه الذي يتحيز فيه،
عوامل مجتمعة لتكوين العمل الإبداعي، لعل أهمها الثقافة ا .
لكن الإبداع بطبيعة الحال لا يكون مُنبّتاً عن المعطيات الإبداعية السابقة ؛ لأن الإنسان الفـرد لا
يستطيع التفرد به أيضا من دون أن تكون له جذور وإشارات وإيماءات هنا وهناك لإبداعات سـابقة ؛
إذ لـيس معقـولا أن نسـمع مقطوعـة موسـيقية لا تشـبه كـل الإيقاعـات الموسـيقية العالميـة، وليسـت علـى
والإبداع إنما يكون ضمن الحقل نفسه.
ومثلمـا لا يسـتطيع الإنسـان أن يكـوّن عَالمَـه وحيـدا ، ويعـيش في مجتمـع يـؤثر فيـه ويتـأثر بـه، فإنــه
كذلك لا يستطيع أن يبدع منفردا مـن دون أن يكـون للآخـرين سـهم أو نصـيب في إبداعـه، وصـقله ،
وتنمية موهبته ، وتكوين ذاته المبدعة الخلاقة.
الأرضية المناسبة للنسج على منوال ما، ومعرفة طرائق إبـداع الفنـون المختلفـة الـتي يعـد الشـعر مـن أهمهـا
إن لم يكن أهمها.
ولعلنــا لا نســتطيع أن نتصــور وجــود شــاعر كبــير ونــص عظــيم مــن دون تصــور وجــود عشــرات أو
مئات الشعراء الذين قرأهم ذلك الشاعر ليكوّن ذلك النص ، فهم ظلاله.
ويعـد الشـاعر أبـو العتاهيـة واحـدا مـن هـؤلاء الشـعراء الـذين يحضـر في شـعرهم مـا يحضـر في شــعر
غيرهم من المعاني والتراكيب والأخيلة والبنى التي تشـير إلى اسـتمداده مخـزوه الثقـافي والحضـاري والشـعري
و الديني .
ولمـا كـان الـدين أول ورافـض الأدب العـربي فقـد اسـتعان بـه أبـو العتاهيـة في شـعره، وخاصـة الزهـدي
ومنـه، فنجـده دائـم الاقتبـاس مـن القـرآن الكـريم، والحـديث الشـريف، وسـوف نتطـرق في بحثنـا هـذا إلى
موضــوع التنــاص الــديني في شــعر أبي العتاهيــة الزهــدي، محــاولين تبيــين وتتبــع مظــاهر التفاعــل النصــي
للخطاب الشعري الزهدي لأبي العتاهية، مع القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.
فقـد اعتمـدنا الشـعر الزهـدي لأبي العتاهيـة أنموذجـا لدراسـتنا معتمـدين علـى ديوانـه الصـادر مـن دار
الكتب العلمية، بيروت، لبنان، سنة١٤١٩ه/١٩٩٨م.ب
وقد اخترنا هذا الموضوع لنرضي أنفسنا بعـد رفـض موضـوعنا الأول – التنـاص بـين الأصـالة و المعاصـرة
– لعدم وجود مدونة بحث. وبعد المناقشة مع الأستاذ المشرف غيرنا جزئيا في الموضوع فأصبح التنـاص
الـــديني في شـــعر أبي العتاهيـــة الزهـــدي، فكانـــت الأصـــالة في المدونـــة شـــعر أبي العتاهيـــة و المعاصـــرة في
.
ومــع الشــروع في البحــث قســمنا دراســتنا إلى فصــلين، الأول نظــري تطرفنــا فيــه إلى الجوانــب النظريــة
للتناص من تعريف و أنواع إلى التطور التاريخي للمصطلح بين العرب و الغـرب إلى الأهميـة و الـدواعي.
أما الفصل الثاني تطبيقي، وتطرفنا فيه إلي التناص القرآني في شـعر أبي العتاهيـة الزهـدي، ثم إلى التنـاص
مع الأحاديث النبوية الشريفة، ثم خاتمة للبحث.
ومع شروعنا في البحـث صـادفتنا صـعوبات كثـيرة أولهـا عـدم وجـود المدونـة- ديـوان أبي العتاهيـة- في
مكتبة الجامعة ولا في السوق، وهذا ما اضـطرنا للجـوء إلى مكتبـات المؤسسـات التربويـة بـالقرارة، حيـث
وجدنا الديوان بمتقن القرارة.
ولم تنتهــي الصــعوبات هنــا بــل اســتمرت، ومــع ولوجنــا في الجانــب النظــري للتنــاص كانــت الإشــكالية
الكبرى، وهي كثرة المصطلحات وتنوعها سواء عند نقادنا العرب أو حتى الغرب، وهـذا مـا أربكنـا وزاد
من حيرتنا. طبيقي صادفتنا صعوبات منها عدم وجود
الدراسات السابقة، وصعوبة تخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، حيث البحث في كتب
الحـديث يتطلـب الجهـد و الوقـت الكبـيرين. ونقلهـا يتطلـب الدقـة و الحـرص الشـديدين لمـا فيهمـا مـن
هيّبة وقداسة.
ولإنجاز بحثنا هذا اعتمدنا على عديد المصادر والمرجع نذكر منها على -سبيل المثال لا الحصر-
لسان العرب لابن منظور ، وتاج العروس للزبيدي، ونظرية التناصية لبيير مارك دوبيازي ومدخل لجامع
النص لجيرار جينيت. والتفاعل النصي لنهلة فيصل الأحمد و الكثير من كتب التناص العربية و الغربية
المترجمة. واعتمدنا على ديوان أبي العتاهية كمدونة بحث والقرآن الكريم لتخريج الآيات القرآنية وكتب
الحديث لتخريج الأحاديث النبوية الشريفة.
معرفة تقنية التناص التي وظّفها أبو العتاهية في ديوانه والكشف عن جمالية التناص عنده وأثرها فيت
شعره. حيث أحصينا الأبيات التي دخلت في تناص مع القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف
وبيّناها وعلقنا عليها.
وفي الأخـير لا يـدعي هـذا البحـث أنـه وصـل أو حـاول أن يصـل إلى درجـة الكمـال؛ لأن الكمـال الله
وحـده ، ويبقــى جهـدا حاولنــا فيــه أن يكـون جــادا وحســبنا أنـا حاولنــا في ســبيل البحـث الجــاد ، ومــا
التوفيق إلا من عند االله، عليه توكلنا وإليه ننيب، ومنه التوفيق والسـداد، وعليـه التوكـل، ربنـا لا تؤاخـذنا
إن نسينا أو أخطأنا ...