الخلاصة:
البحر المتوسط ، بحر يملك الكثير من المعاني التاريخية ، إذ شهد قديما تحركات أدت إلى تغيير معالم التاريخ بربط الشرق بالغرب حضاريا في جميع مناحي الحياة ، فلا يخفى على متأمل ودارس للتاريخ أن الفترة التاريخية بدأت بوصول الفينيقيين إلى سواحله وما واكبه من تغيير جذري في المناطق الغربية ، لذا فقد جذب هذا النوع من الدراسات المهمة اهتمام المؤرخين .
لقد أدى موقع فينيقيا على شواطئ البحر المتوسط وما امتلكه من ثروات طبيعية إلى تحول المنطقة لمركز حساس في التاريخ القديم ، إذ جذب هذا الموقع الاستراتيجي الذي احتله الساحل الفينيقي على البحر الأبيض المتوسط الواقع كجسر بين القارات الثلاث إفريقيا وآسيا وأوربا ، أطماع دول الجوار للسيطرة عليه كالإمبراطورية المصرية وبلاد الرافدين وشمالا الدولة الحيثية، لذا كانت منطقة مد وجزر وصراع دائم، بالإضافة إلى العوامل الطبيعية من حواجز جبلية جعلت المدن الفينيقية متفرقة، وهو ما أثر على ذهنية المجتمع الفينيقي وجعلته يكون نفسه بنفسه ، ولعل أبجدية رأس شمرا والفن الفينيقي قد كشفا عمق الحضارة الإنسانية بكل مجالات إبداعها وتألقها وعلاقتها الدولية والإقليمية آنذاك وديانتها وآلهتها وصولا إلى نشاطها البحري وطرق ملاحتها وتجارتها والتي كانت السبب الرئيسي في المد الفينيقي الذي انتقل إلى الغرب بفضل البحرية التي ساعدت الفينيقيين للتوسع وتحقيق مكاسب ضخمة ، ولم يكونوا ليقدروا على تحقيقيها لولا هذا الأسطول خاصة إذا عرفنا ما كان عليه طموح الفينيقيين في التوسع نظرا للقوة الاقتصادية التي كانت تتوفر لديها ووجوب تعريفها وذلك للبحث عن أسواق خارجية في الشعوب المعاصرة لها ، ولم تستطع أي إمبراطورية أن تحقق ذلك ، مما سمح للفينيقيين بتكوين حضارة راقية في الغرب ، ونحاول إدراك ذلك من خلال ما أقدم عليه الفينيقيون من ربط للعلاقات الشرقية بالغربية ، فيعتبر هذا من منظور تاريخي أكبر إنجاز حققته الحضارة الفينيقية ، والواقع أنه إلى جانب ربط الشرق بالغرب حضاريا ، تم تأسيس مدن جديدة تابعة لها والتي أصبحت فيما بعد من القوى المؤثرة في حوض البحر الأبيض المتوسط والمهيمنة عليه عسكريا واقتصاديا وحتى فكريا .