Abstract:
إن السياسة العامة باختلاف تعاريفها وتعدد خصائصها وتصنيفاتها، لن تصبح عملية تجسيد جميع أو أهم التفاعلات الحاصلة بين مختلف الفواعل الرسميـة وغير الرسمية في إطار الإيديولوجية والنسق السياسي السائد ومن خلال مجموع الأبنية والمؤسسات القائمة إلا في ظل نظام ديمقراطي. ولأن التحول الديمقراطي في الجزائر مع نهاية الثمانينات لم يكن وليد خيار حر من الفواعل المتحكمة في السلطة، بل كان استجابة لضغوط داخلية يمكن تلخيصها في أزمات التنمية السياسية وضغوط خارجية نابعة من تحولات وتطورات دولية، حيث أن البرلمان الجزائري وكتقييم عن أدائه في رسـم السياسة العامة أصبح كيانا ضعيف لأنه بدى مجرد مؤسسة تعمل على تزكية السلطة التنفيذية وإعطائها الشرعية، فالسملة التشريعية في الجزائر لم تستوعب الدور الذي يجب أن تلعبه في رسم السياسة العامة، كما أن ضعف الممارسات الديمقراطية وضعف الطبقة السياسية ونقص الوعي السياسي في المجتمع لم يسمحوا لهذه المؤسسة بالسير في المجال الصحيح ألا وهو سن التشريعات والقوانين والموافقة عمى مشروع الموازنة العامة إلى جانب الرقابة على أعمال الحكومة.
أما السلطة القضائية فإنها لا تتدخل في عملية رسم وصنع السياسة العامة بطريقة مباشرة من خلال تقديم خيارات تشكل اقتراحات السياسة العامة، ولأن القانون هو الوعاء الشرعـي الذي تصب فيه مبادئ السياسة العامة، فإن هذه السلطة وبفعل امتلاكها صلاحية النظر في مسودات التشريعات والقوانين لإبداء الرأي فيها وإدراج التعديلات عليها، وأيضا مراجعة القوانين للتأكد من مدى دستوريتها، إلى جانب تفسيرها للدستور والقوانين المعمول بها بتوليها النظر والفصل في النزاعات القائمة بين الأفراد والمجموعات وبين أجهزة الدولة الأخرى، تمتلك القدرة على التدخل في العملية السياسية بطريقة غير مباشرة و لا يكون لهذا التدخل أي فعالية إلا في ظل استقلالية القضاء. غير أن التدخل السياسي في العملية القضائية من قبل السلطة التنفيذية يجعل من استقلالية القضاء أمرا نسبيا إن لم نقل شكليا، و بناء على ذلك فإن تدخل هذا الأخير في العملية السياسية يكون بتوجيه منها وبدافع خدمة مصالحها.