Abstract:
يعتبر العمران من المسائل الهامة في أي مجتمع متحضر و أن سير حركة التعمير و البناء يكون وفق قواعد و أصول مرسومة و مجحدة وعدم تركها لحرية الأفراد.
و لقد اهتمت البشرية على مر الحضارات بداية من الحضارة الفرعونية و البابلية و الرومانية إلى العرب الذين أبدعوا في هندسة المباني و القصور بهذا الجانب الذي كان علما مستقلا بحد ذاته، فصحيح أن حق الملكية الخاصة و ما يقتضيه من تقديس كرسته جميع الدساتير في العالم، وذلك باعتبار أنها مقياس تطور و رقي أي مجتمع ينعكس على طريقة بناء المنشآت و البنايات، و على الطابع الجمالي و المعماري لكيفية تأسيس مدينة على قواعد تهيئة معمارية بالغة الدقة و الإتقان.
ولكن بالرجوع إلى سياسة التهيئة و التعمير المتبعة في الجزائر فقد مرت بعدة مراحل حاولت من خلالها الحكومات المتعاقبة منذ الإستقلال ضبط قواعد البناء بالنظر إلى التوسع العمراني الهائل على حساب بعض المناطق التي تكتسي أهمية خاصة كالأراضي الفلاحية و الغابية و الساحلية، مما أدى لضرورة إعداد مخططات تنمية عمرانية إستعجالية لمعالجة المشاكل التي تمخضت عن تطبيق السياسات المتعاقبة و من بينها:
ضغط عمراني في الشريط الساحلي و مساحات شاسعة لا تنم على وجود حياة فيها إلى بعض السكنات المتفرقة في الهضاب العليا، و وجود تجمعات صناعية داخل المدن أدت إلى تلوث كبير للمحيط و تبعثر التجمعات العمرانية التي لا يجمع بينها فن عمراني منسق
وعلى الرغم من اهتمام المشرع الجزائري بتنظيم الحركة العمرانية عبر مراحل زمنية متعاقبة، فإن قانون العمران في الجزائر ظل مجرد نصوص لم تحض باهتمام الفقه و القضاء، بالرغم من المحاولات العديدة التي أخذ بها من أجل الحد من الفوضى في مجال العمران إلا أنه على المستوى الميداني لم تتوقف أزمة البناء في الجزائر بل عرفت تزايدا، و بالتالي أصبح تدخل السلطة الإدارية أمرا ضروريا في ظل الدولة الحديثة مما فرض بعض الضوابط على الحقوق و الحريات العامة وفقا لتشريعات الضبط القائمة، حيث يعتبر تدخل الدولة في تقييد حق الملكية الخاصة لترخيص أعمال البناء هو أول الحقوق التي تم تقييدها، لأن الضمان الأساسي لإحترام قواعد العمران أن تستند أعمال البناء إلى تراخيص إدارية، فهذه التراخيص لها دور فعــال في المجال العمراني منذ زمـن بعيد، فقد تخـلت أغلب تشريعـات العالم لفرض
احترام قــواعد العمران فهي تعتبر قواعد ردعية كفيلة بأن تحقق توازن بين المصالح الخاصة
للأفــراد من خلال مشاريع أعمال البناء، وبين المـصلحة العامة العـرانية و هــنا تعـمل
الإدارة لضمان تحقيق ذلك من خلال التراخيص الإدارية اللازمة لاحترامها، وهي القرارات المتعلقة بالبناء فمن حق الأفراد الحصول على الرخص، وعلى الإدارة أن تقوم بواجباتها اتجاه الطلبات الخاصة بهذا الشأن فكلما خالفت الإدارة الشروط القانونية و التقنية في إصدار قرارات العمران تكون قد تعدت مبدأ المشروعية.
ومن هنا يحق للأفراد منازعتها ضد القرارات ثم متابعتها للتعويض عما تخلفه تصـــــرفاتها
القانونية و المادية من أضرار تصيب الأفراد أو ممتلكاتهم أثناء نشاطها العمراني .
و للحد من هذه الفوضى فقد بادر المشرع إلى إصدار مجموعة من النصوص و التشريعات القانونية و التي نصت على طرق رقابة قبلية تتمثل أساسا في الرخص و الشهادات و لعل أهمها رخصة البناء، و آليات رقابة بعدية تتمثل في إنشاء اللجان و مصالح الرقابة .
و تعزيزا لهذه الآليات فقد صدر القانون رقم 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و الذي نص على أدوات تهيئة الإقليم مــنها مخططات تهيئة الساحل، مخططات تهـــيئة الإقليم الولائي، و المخططات التي تضمن البناء في المجالات المحمية كالمناطق الساحلية و السياحية التي تضم بعض المعالم التاريخية و الأثرية، و كذا تنظيم المناطق الصناعية و الأنشطة و القيود المفروضة عليها نظرا لخطورتها على البيئة، و كذا حـــماية الأراضي الفلاحية و الغابية و استصلاحها . ويجب أن تأخذ هذه المخططات بعين الاعتبار عند إعداد مخططات التهيئة العمرانية .
و يرجع سبب الاهتمام البالغ بالمناطق و المساحات المحمية المنصوص عليها في قانون التوجيه العقاري و قانون التهيئة و التعمير نظرا للاعتبارات التاريخية أو الثقافية أو العلمية أو الأثرية أو المعمارية أو السياحية أو بغرض المحافظة على الحيوانات و النباتات وحمايتها و ذلك بموجب أحكام تشريعية خاصة جاءت تدعيما للأحكام العامة للتهيئة و التعمير و التي تهدف إلى ضبط و تقييد حقوق البناء ضمنها، و قد بلغت هذه الحماية إلى حد المنع المطلق للبناء فوقها نظرا للوظيفة التي تؤديها كل منطقة محمية، لذا نجده قد ضيق من نطاق ذلك في حدود معينة.
و لعل أهم هذه القوانين :
ما يتعلق بحماية الساحل و مناطق التوسع السياحي، المواقع السياحية و حماية التراث الثقافي و قواعد إنشاء المؤسسات الفندقية و قد أخضعت للسماح بالبناء ضمنها وقبل الحصول على رخصة البناء طبقا للقواعد العامة، الحصول على ترخيص مسبق بين الإدارة المعنية التي لها سلطة منحه أو رفضه بعد مطابقته بالقواعد التي تضبط البناء في كل منطقة و أن أي مخالفة لهذا الترخيص يجب إثباتها في شكل محاضر تحرر بمعية أعوان مؤهلين لهذا الغرض تحال فيما بعد إلى القضاء للنظر في المنازعات المتعلقة بها بحسب طبيعة اختصاصه.