Abstract:
يعتبر الفعل التطوعي سلوكا اجتماعيا موجها لخدمة المجتمع، وظاهرة تختفي وتظهر فجأة في بعض المجتمعات وقد تبقى مستمرة في بعض المجتمعات الأخرى، وربما يقودنا هذا إلى تتبع مكونات البناء السوسيوديني لهذه المجتمعات ومدى تركيزها على قيم التعاون والعطاء التي توجه سلوكات الأفراد نحو ممارسة العمل التعاوني (بدون أجر) والعطاء من أجل تشييد مؤسساته الاجتماعية والدينية. وترجع أهمية استمرار ظاهرة التطوع في مجتمع ما كونها تساهم في تقوية الروابط الاجتماعية ونقل ثقافته وعاداته الدينية من جيل إلى جيل. وفي المجتمع الجزائري تعتبر ظاهرة التطوع والعمل التعاوني من الظواهر المتجدرة في عمق التراث الشعبي المحمل بالعادات والتقاليد التي تحقق المصلحة الجماعية المشتركة، فأين ما نكون من أقاليم الجزائر، في القرى القبائلية، في الريف وفي الواحات بالجنوب وأحيانا حتى في المدن الكبرى نجد أفراد الجماعة الذين اختاروا (أو اضطروا) للعيش في مجال مكاني واحد (قرية، حي، عمارة، ...الخ) يتعاونون فيما بينهم من أجل تحقيق هدف فردي أو جماعي. ففي الريف تتجلى مظاهر هذه الثقافة التعاونية في بعض الأعمال اليومية والموسمية وعمليات الحصاد والزرع، فنجد السكان يتقاسمون فيما بينهم المهام والأدوار ويتوجهون بأدواتهم الخاصة للعمل في حقل المتطوع له. وفي الواحات يتعاون أهالي المنطقة الواحدة في نزع الركال في واحة النخيل وفي أعمال بناء وتشييد المرافق ذات المنفعة الخاصة أو العامة. أما في المدن فقد يشترك سكان العمارة الواحدة لشراء خيمة كبيرة (لضيق المكان) وبعض اللوازم الضرورية فس المناسبات التي تفرضها ممارسات الجماعة كالختان وحفل الزفاف والمآتم. وتعرف هذه الممارسا تالتطوعية في أشكالها الأولية لدى المجتمع الجزائري بـ "التويزة".