Abstract:
كاستجابة قانونية هامة لسياق اقتصادي ليبرالي، استحدث المشرع الجزائري سلطات للضبط الاقتصادي، تتبنى أدوات ضبط فعالة ومغايرة لأوجه المقاربات التقليدية، وتعكس بوضوح مرحلة معينة من التطور الحاصل في وظائف الدولة وهياكلها، فصيرورتها كيانا بديلا عن جزء من صلاحيات كل من الإدارة والقضاء، مكنها من حيازة مجمع للصلاحيات المعهود بها لهذه السلطات، وبالتالي تكييفها بالطبيعة المزدوجة الإدارية والشبه قضائية، مما جعلها في مواجهات متعددة ومتمايزة مع الجهات القضائية، من خلال كل من مظاهر التنافس والإقصاء، التكامل والرقابة، كأنماط لقياس مدى انحصار الدور القضائي في مواجهة هذه السلطات.
فإن كان الاختصاص التحكيمي كوجه بارز لمنافسة القاضي العادي في اختصاصاته، جاء لإحياء ديناميكية حقيقية للعملية الضبطية، تتوافق ومنطق الضبط القائم على المرونة والسرعة والفعالية، فالجانب القمعي المعهود به لهذه السلطات، قد ثبت قاعدة عدم استئثار القضاء بفكرة الجزاء، الأمر الذي ينبئ عن توجه زاحف نحو مزاحمة حقيقية للقاضي الجزائي.
كما يتجلى مظهر للتكامل بين الجهازين، يجيز فيها للجهات القضائية القيام بضبط السوق إلى جانب سلطات الضبط الاقتصادي، بالإضافة إلى البعد الرقابي للجهات القضائية كأبرز علاقات هذه المواجهة، من خلال دعاوى المشروعية والتعويض ووقف التنفيذ.