Abstract:
ترجع إشكاليّة التعارض القائم بين النصوص القطعيّة وبعض أخبار الآحاد إلى ظنّيّة تلك الأخبار؛ بسبب ما قد يعتري نقلَها من عوارضَ؛ كالخطأ والوهم والرواية بالمعنى وغيرِها... ومن ثَمّ فليست مساويةً في الحجّيّة لكتاب الله؛ بحيث تؤسّس لسقف تشريعيّ مساوٍ لما أسّسَه القرآن من أحكام. ولا تكتسب صبغة الإلزام الذي يكتسبه المتواتر العمليّ من السنّة، ولا تقوى على ردّ الثابت بالقرآن؛ فلا بدّ من توجيهها بما تقتضيه النصوصُ القطعيّة.
وقد كشفت هذه الدراسة عن علاقة السنّة بالكتاب، فقرّرت أنّ القرآن هو المصدر المنشئ للأحكام، وأنّ السنّةَ هي البيانُ العمليّ والتطبيق الواقعيّ للقرآن؛ فيستحيل أن تتضمّن السنّة أحكامًا تخالف القرآن الكريم؛ إذْ ما كان للمبيِّنِ أن يقضي على المبيَّن.
وحيث إنّ القرآن كتاب أحكمت آياته؛ فلا يتطرّق إليها نقض ولا إبطال. ولا يعتريها اختلاف ولا اختلال، وشريعة القرآن الخالدةُ أبعد الشرائع عن التبديل والتغيير؛ فلا نسخ في أحكامها، بل كلُّ آيةٍ لها مجالها الذي تعمل فيه إلى قيام الساعة.
وقد تناولتْ هذه الدراسة بالنقد والتحليل مسألةً أخرى هي من أكبر المشكلات التي يواجهها المسلمون في هذا العصر؛ تمثّلت في حدّ الردّة بين النصوص القطعيّة وأخبار الآحاد.. وهي ما سطّروه لأنفسهم من فتاوى سندها أخبارُ آحاد تحُدّ من حرّيّة اعتناق الإنسان للدين من عدمه، اتّخذها المغرضون من أعداء هذه الأمّة مطعنًا في الدين. فأوضحت أنّ القرآن الكريم لم يشرِّع عقوبةً دنيويّة على الردّة، وإنّما حصرها في الجزاء الأخرويّ؛ وهذا فرعٌ عن حاكميّة القرآن في أنّ الحساب والجزاء شأن إلهيّ خالصٌ لا شأن للبشر فيه؛ إنْ عليهم إلاّ البلاغ.
وكون الردّة لا حدّ فيها، ينسجم مع مبدأ نفي الإكراه في الدين. فالردّة ينبغي أن تعالَج بالحجّة والإقناع والجدال بالتي هي أحسن؛ لأنّ الإيمان يجب أن يصدر عن قناعة لا يشوبُها إكراه، وإلاّ صار نفاقا؛ والرسول لم يُرِد بدعوته التكثير من منافقين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم. فلا خيرَ في إيمان تحت وطأة الإكراه بالسيف.